عرض المقال
أرجوكم تحملوا غلاسة العلم وطريقه الطويل
2014-02-25 الثلاثاء
المجد للعلم على الأرض، فهو طوق النجاة الوحيد فى محيط مشاكلنا الهادر، وملاذنا الأخير فى غابة لا يعيش فيها إلا الأقوى والأكثر علماً، علينا أن نتحمل صعابه وتشككه وبروده وصرامته وثقل ظله، علينا أن نتحمل لغة معادلاته الجافة وأرقامه الخرساء وخلوه من الاستعارات المكنية والزخارف البلاغية، علينا أن نتحمل خلو عباراته من السجع والجناس، للأسف العلم غلس بعض الشىء ورخم أحياناً، لأنه لا يدللنا ولا يدلعنا، ويصر على أن الجنة على الأرض من صنعنا نحن، ويكرر ويلح على أن رداء الفردوس من نسجك أنت، وأنهار عسله ولبنه نتاج بذرك وحصادك أنت، للأسف، العلم يقول دائماً «ربما وأظن ويمكن ومش دايماً وأحياناً ونسبياً»، يعنى باختصار بيخنقك، فى حين أنك تتمنى من يقول لك كل طلباتك أوامر وانت تؤشر بس يا بيه وعندنا من الإبرة للصاروخ واحنا بتوع كله.. إلى آخر دلع التفكير الأسطورى ومرجيحة التفكير الخرافى التى تهدهدك وتقول لك «ياولدى نام نام وأدبح لك جوزين حمام»! فى المؤتمر العلمى لن تجد التلميذ يحترم أستاذه إلا بقدر الصدق العلمى الذى يمنحه له، أما إذا أخطأ الأستاذ فسيراجعه التلميذ ويمكن أن ينهره ويخطئه، والأستاذ سعيد مبتهج فرحان، لأنه سيراجع أخطاء بحثه ويعدله ليصبح فتحاً جديداً! لا غرابة ولا دهشة فى ذلك، بل هذا هو العلم، لن تجد فى المؤتمرات العلمية الرتب الهرمية ولا الأوامر العسكرية، يعنى باختصار من الممكن وعادى جداً أن يصيب الملازم ويخطئ اللواء! من لا يستطيع تحمل هذه الغلاسة العلمية لن ينجح فى الإفلات من سجن الجهل والتخلف، من يريد المكسب السريع ومدح المؤتمرات الصحفية التلميعية سيخسر حتماً، من يريد أن يصل إلى كندا عن طريق شارع شبرا الجانبى سيظل يدور فى دائرة المتر فى متر التى يسكنها والتى حتماً ستتحول إلى قبر يدفن فيه، لا بد أن تتحمل طول طريق العلم ومسافته المجهدة المتعبة التى لا بد أن ترى فى نهايتها بقعة الضوء، لا يمكن أن تقول أنا اخترعت دواء إلا بعد تجربته على مراحل، بداية من الحيوانات وانتهاء بالإنسان، وأثناء التجارب تقارن بمجموعات ضابطة وتحدد مدى السمية والفاعلية والأعراض الجانبية، ثم تنشر بحثك فى مجلة علمية ثم تعرضه فى مؤتمرات دولية ثم تنتظر تقييم اللجنة العلمية المحايدة ولجنة الدواء والغذاء.. إلخ، طريق طويل لكنه هو الطريق الوحيد الذى عليه لافتة طريق السلامة، أما من اختار طريق الندامة أو طريق اللى يروح ما يرجعش فلا يلومن إلا نفسه.